نهر ميديا – الأردن
هذا الأردن، شوارعه باتت خاوية تماما، الأسواق بلا مشترين، والأزقة بلا مواطنين، باستثناء رجال الأمن والعاملين في قطاعات لم يشملها قرار حظر التجوال الذي فرضته جائحة فيروس كورونا.
بعد الخطر الذي بدأ يداهم المنطقة العربية انطلاقا من إيران، طوق الأردن نفسه خلال الأسابيع الأولى من تفشي الوباء العالمي، فطبّق “قانون الدفاع” وإجراءات احترازية أخرى، للنأي بنفسه عن توسع رقعة الإصابات.
الإجراء الأبرز كان بفرض حظر التجول في جميع أنحاء المملكة، وفرض عقوبة تصل إلى الحبس مدة عام وغرامات مالية متفاوتة على المخالفين، وهو ما يعكس جدّية الأردن في التعاطي مع الأزمة.
لعل حصيلة الإصابات التي سجلتها عمّان حتى تاريخ 28 مارس/آذار 2020، مقارنة بدول المنطقة، يعكس -على ما يبدو- نجاح التجربة الأردنية في التعامل مع الفيروس الذي فتك بدول عظمى.
ففي “إسرائيل” التي تحد الأردن من الغرب، سجلت 3460 إصابة ووفاة 12 حالة بالفيروس، أما السعودية التي تشترك في أطول حدود مع المملكة، فسجلت 1104 إصابة توفي منهم 3 حالات حتى التاريخ المذكور.
وأعلنت السلطات الأردنية، مساء الخميس 26 مارس/آذار 2020، عزل محافظة إربد الواقعة شمالي المملكة عن باقي المحافظات، إثر تسجيل 26 حالة جديدة فيها، ليرتفع العدد الإجمالي إلى 235 حالة في كافة أرجاء البلاد، ووفاة واحدة.
لكن كل هذه الأرقام لا تنفي الدور الذي لعبته الحكومة منذ اقتراب الخطر إلى حدود البلاد، فضلا عن الوظيفة التي أداها الشعب في الانصياع إلى المراسيم الملكية بكل طواعية.
إجراءات مشددة
وفي اللحظات الأولى تحفظت عمّان على نحو 6 آلاف قادم إلى المملكة قبل إغلاق الحدود منهم نحو 4300 مواطن والبقية من العرب والأجانب، داخل الحجر الصحي الذي أقيم في منطقة البحر الميت ومدينة العقبة.
وباشرت الحكومة بإقامة مخيمات حجر صحي على المنافذ البرية للعائدين، مع التأكيد على الأردنيين في الخارج البقاء في أماكنهم واتباع إجراءات الوقاية والسلامة التي تحددها الدول المستضيفة لهم.
الأردن وكغيره من دول العالم، اتخذ جملة إجراءات احترازية منذ بدء الخطر، إذ قرر منع دخول الأجانب إلى أراضيه، خاصة القادمين من الصين وإيران وكوريا الجنوبية، كما علق رحلاته إلى إيطاليا.
وتم تعطيل كافة المؤسسات الرسمية والخاصة باستثناء القطاعات الحيوية، والتزام المواطنين بعدم مغادرة منازلهم إلا للضرورة مع عدم التنقل بين المحافظات، ووقف النقل الجماعي ومنع التجمع لأكثر من 10 أشخاص.
وتضمنت الإجراءات التي بدأت تنفيذها في الأسبوع الأول من مارس/آذار 2020، منع الإجازات للعمالة الوافدة، ووقف تصاريح العمل للقادمين، ومنع الإجازات للطلاب الأجانب الذين يذهبون إلى دول ينتشر بها المرض.
كما تقرر تشديد الرقابة على المعابر الحدودية بشكل مكثف، إلى جانب وقف الرحلات المدرسية الخارجية، وتعليق سفر الموظفين للخارج “إلا للضرورة القصوى وبموافقة مجلس الوزراء”.
إضافة إلى ذلك، أوقفت المراجعات الطبية والعمليات إلا الطارئة منها، وسمحت باستمرار عمل الصيدليات والمراكز التموينية والمخابز وسلاسل توريد الغذاء والدواء والمياه والكهرباء والمحروقات.
قانون الدفاع
منذ بداية الأزمة أخذت الحكومة الكثير من القرارات الضرورية لمواجهة انتشار الفيروس، كان أبرزها انتشار قوات الجيش في مداخل المدن والمحافظات ومخارجها.
الانتشار جاء بموجب “قانون الدفاع” الذي وافق عليه العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، يوم 17 مارس/آذار 2020، بعد قرار من مجلس الوزراء بتفعيله.
ويمنح القانون الحكومة “صلاحيات مطلقة، ويجمد القوانين السارية ويضعها بيد رئيس الوزراء شخصيا لإدارة شؤون الدولة بهذه الفترة العصيبة”.
واشترط الملك الأردني عبد الله الثاني أن يكون تطبيقه “في أضيق نطاق ممكن، وبما لا يمس حقوق الأردنيين السياسية والمدنية ويحافظ عليه (..)”.
القرار الملكي استند لأحكام المادتين (3) و (7) من “قانون الدفاع” رقم (13) لسنة 1992، ولـ”أمر الدفاع” رقم (2) بتاريخ 20 مارس/آذار 2020.
الأحكام تركز في مجملها على حظر التجول في البلاد، وتفرض عقوبات على الأشخاص المخالفين بغرامات مالية بين 100 و3 آلاف دينار أردني (نحو 4200 دولار)، وعقوبة حبس لا تقل عن 3 أشهر ولا تزيد عن سنة.
وعي المواطن
حسب صحيفة “الدستور” واسعة الانتشار في البلاد، فإن الأردن أظهر كفاءة وتميزا كبيرين في اتخاذ الإجراءات الوقائية الاحترازية لمواجهة خطر تفشي الفيروس.
وترى الصحيفة أن الأردن “يراهن على مستوى الوعي الفردي والمجتمعي في التزام المواطنين بمختلف التعليمات والتحذيرات الصادرة من الجهات المختصة، وتحمل الجميع لمسؤولياته في هذه الظروف”.
وتشير إلى أن الحكومة اعتمدت خطة شمولية لتعزيز الثقة مع المجتمع الأردني حول الوباء، “فكانت المعلومة الصحيحة والسريعة هي السبيل لتعزيز الثقة بين الحكومة والمواطن”.
في هذا الجانب، يؤكد الصحفي حمزة حيمور، عضو نقابة الصحفيين الأردنيين، أن حالة الوعي الشعبي تعد من أبرز الأسباب التي ساهمت في انحسار الفيروس وعدم تفشيه.
ويضيف في حديث لـ “الاستقلال”: “اعتماد مبدأ الشفافية والصراحة في التعامل مع هذا الوباء ساهم إلى حد كبير في ترميم العلاقة الرسمية والشعبية وتعزيز أدوات القوة في مواجهة الفيروس”.
ويعتبر حيمور أن “الشعب هو صاحبة الكلمة الفصل في انحسار أو انتشار الفيروس، والحكومة (..) ركزت على الدور الشعبي في ذلك، ونشرت عشرات الفيديوهات لبث الوعي وتقويم بعض السلوكيات الخاطئة”.
ويشير إلى أن رواد مواقع التواصل الاجتماعي تناقلوا عشرات المشاهد الحضارية، بعدم التدافع والانتظام بأدوار طويلة أمام المخابز والبقالات، وارتداء الكمامات القفازات.
والأردن البلد الفقير اقتصاديا، كما يقول حيمور، “لكنه لم يقف طويلا أمام المعضلة، بل تكاتف على المستويين الرسمي والشعبي للخروج منها”، مشيرا إلى أن التبرعات لوزارة الصحة “وصلت ملايين الدولارات”.
سر النجاح
ويقول حيمور: إن “الأردن تعاطى مع التحذيرات العالمية مبكرا، عبر إجراءات احترازية أخذت منحى تصاعديا، وحازت على ارتياح وحالة إجماع ورضى، وهي من المرات النادرة التي تتحقق على المستوى الشعبي”.
ولعل من أهم الخطوات التي اتخذتها المملكة، بحسب حيمور، “تشكيل لجنة لإدارة الأزمة ترأسها العاهل الأردني، وتضم رئيس الحكومة ومسؤولين، وقائد الجيش”.
الدولة أيضا رفعت شعار الشفافية، ولم تسمح للإشاعات المغرضة أن تتسرب وتنال من الحالة المعنوية المرتفعة، وفق الصحفي الأردني الذي أوضح أن المملكة خصصت أرقاما للاستفسار على مدار الساعة.
وعلى المستوى الطبي، يقول: إنها جهزت ما يزيد عن 300 فريق صحي، لفحص أية حالة يشتبه بإصابتها بالفيروس في مكان وجودها، حتى لا تختلط بأي أحد.
ولخص حديثه بجملة: “”حتى اللحظة، نستطيع القول أن الأردن نجح بتطويق الفيروس وعدم استفحاله وانتشاره”، منوها بأن “الأسبوع القادم وفق التقديرات الرسمية حاسم قبل القول الفصل، بأننا نجحنا في احتواء الأزمة”.واستدرك عضو نقابة الصحفيين الأردنيين: “لكن وبالحكم على الإجراءات الاحترازية سالفة الذكر، فنستطيع القول إن المملكة نجحت بالعلامة الكاملة باتخاذ جميع التدابير الاحترازية”.
هذا الأردن، شوارعه باتت خاوية تماما، الأسواق بلا مشترين، والأزقة بلا مواطنين، باستثناء رجال الأمن والعاملين في قطاعات لم يشملها قرار حظر التجوال الذي فرضته جائحة فيروس كورونا.
بعد الخطر الذي بدأ يداهم المنطقة العربية انطلاقا من إيران، طوق الأردن نفسه خلال الأسابيع الأولى من تفشي الوباء العالمي، فطبّق “قانون الدفاع” وإجراءات احترازية أخرى، للنأي بنفسه عن توسع رقعة الإصابات.
الإجراء الأبرز كان بفرض حظر التجول في جميع أنحاء المملكة، وفرض عقوبة تصل إلى الحبس مدة عام وغرامات مالية متفاوتة على المخالفين، وهو ما يعكس جدّية الأردن في التعاطي مع الأزمة.