نهر ميديا – متابعات
في الثامن من يوليو، وقّع وزير الدفاع السوري علي عبدالله أيوب ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري اتفاقا في دمشق لتوسيع التعاون العسكري الثنائي بينهما بشكل كبير، ولا سيما في مجال الدفاع الجوي. وإذ دعت حاجة مزدوجة إلى مواجهة التهديدات الجوية ضد إيران وحلفائها، وفي الوقت نفسه تقويض الوجود العسكري للتحالف في الشرق الأوسط، طوّرت طهران رؤية استراتيجية تتطلب حماية فعالة، وإغلاق المجال الجوي (في الوقت المناسب). وتحقيقا لهذه الغاية، اقترحَتْ بشكل متكرر تعزيز أنظمة الدفاع الجوي العراقية واللبنانية والآن السورية ودمجها في شبكتها الخاصة.
في عام 2019 على سبيل المثال، عرض باقري ربط شبكة الدفاع الجوي العراقية وتشكيل حصن مشترك في وجه “الأعداء المشتركين”. ومؤخرا، خلال اجتماع عُقد في 16 يوليو مع الرئيس اللبناني ميشال عون، أعرب السفير الإيراني محمد جلال فيروزنيا عن اهتمامه بتزويد البلاد بأسلحة دفاعية، من بينها صواريخ مضادة للطائرات. وجاء الاجتماع بعد أيام فقط من وصف باقري الاتفاق الدفاع الجوي الجديد مع سوريا بأنه خطوة أخرى نحو إخراج الولايات المتحدة من المنطقة. كما قام بالعديد من الزيارات الأخرى إلى سوريا منذ تعيينه في أعلى منصب عسكري إيراني في عام 2016، ساعيا إلى توثيق التعاون العسكري الطويل الأمد مع نظام بشار الأسد.
وبالفعل، كان الوجود العسكري الإيراني في سوريا ملحوظا منذ اندلاع الحرب الأهلية في البلاد عام 2011؛ ومعظم عناصره متواجدين في سوريا بصفة استشارية وقيادية تحكمية، رغم أن بعضهم شارك في القتال إلى جانب الجماعات الميليشياوية الوكيلة. كما تستخدم إيران سوريا كمركز نقل لتزويد “حزب الله” بالإمدادات عبر الحدود مع لبنان. ومن أجل دعم هذا الجهد وإجراء تناوب في القوى البشرية، تستخدم الجمهورية الإسلامية “جسرا جويا” ـ حيث تقوم طائرات عسكرية ومدنية إيرانية بنقل الأفراد والعتاد إلى مطار دمشق الدولي، والقامشلي، واللاذقية، وقاعدة “التياس” الجوية (T-4) بشكل منتظم، بينما تعود الرحلات الجوية السورية من إيران محمّلة بالأسلحة والذخيرة لقوات النظام والميليشيات.
إسرائيل حجر عثرة أمام خطط إيران
إن النطاق المتنامي لبعض عمليات إيران ووكلائها في سوريا يجعلها عرضة للضربات الجوية والصاروخية الإسرائيلية، وأصبحت هذه الحوادث تتكرر على نحو منتظم ولا تعترضها على ما يبدو الدفاعات الجوية العشوائية السورية. فالأنظمة الدفاعية التي نشرتها روسيا في سوريا أثناء تدخلها تتمتع بقدرات أكبر، ولكنها موجودة لحماية القواعد الروسية وليس لاستهداف الطائرات الإسرائيلية.
وحافظت إيران على صمتها إلى حد كبير بشأن هذه الخسائر البشرية والمادية، مما يشير إلى استيائها وعدم قدرتها على منعها على حدّ سواء. غير أنه في 16 يوليو، حذّر المتحدث باسم هيئة الأركان أبو الفضل شكارجي إسرائيل من شنّ أي هجمات إضافية، ثم كرر التزام طهران بتطوير الدفاعات الجوية السورية وتعزيز “محور المقاومة” ضد الهجمات الإسرائيلية.
وبالفعل، يبدو أن لدى القادة العسكريين الإيرانيين ثقة كبيرة في تعددية [استخدام] أنظمتها الدفاعية الجوية المطورة محليا وفعاليتها، خاصة بعد أن نجحت إحدى هذه الوحدات في إسقاط طائرة استطلاع أميركية بدون طيار من نوع “آركيو-4” فوق مضيق هرمز في يونيو 2019.
ومع ذلك، كما يتبيّن من الوضع الراهن، تمكنت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي من شنّ عدد كبير من الهجمات الناجحة، ونفذتها أحيانا من داخل سوريا، وأحيانا أخرى من خلال إطلاق أسلحة مواجهة أثناء تحليقها فوق البحر الأبيض المتوسط، أو لبنان، أو مرتفعات الجولان. ولدى الجيش الإسرائيلي خيارات هجومية قوية أيضا، تشمل صواريخ باليستية تكتيكية قادرة على الوصول إلى عمق سوريا.
محور الدفاع الجوي؟
استغل باقري زيارته الأخيرة إلى دمشق لكي يشجب بقوة الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، واعدا بأن إيران ستواصل مقاومة “الابتزاز الأميركي” في المنطقة مستخدمة اتفاق الدفاع الثنائي الذي أبرمته حديثا أداة لذلك.
على سبيل المثال، يمكن استخدام الاتفاق لتغطية نطاق واسع من التعاون في مجال الدفاع الجوي، على غرار توفير أنظمة كاملة لسوريا، أو تطوير أنظمتها الحالية، أو دمج شبكتي الدفاع الجوي للبلدين معا (رغم أنه سيكون من الصعب تحقيق هذا الدمج دون تعاون العراق).
وبشكل أكثر تحديدا، بإمكان إيران تزويد سوريا بأنظمة صواريخ أرض ـ جو منخفصة وعالية الارتفاع وقادرة على اعتراض أهداف بعيدة تصل إلى 200 كيلومتر وعلى ارتفاع يصل إلى 30 كيلومتر (انظر الجدول). كما يمكنها اقتراح إرسال بعضا من قدراتها الخاصة بدمج البيانات/الإدارة وأنظمة الرصد السلبية التي كشفت عنها النقاب في السنوات الأخيرة.
وتقتصر قوات الدفاع الجوي الحالية في سوريا في الغالب على الأنظمة الروسية القديمة مثل “أس-125” (SA-3)، “2 كاي 12” (SA-6)، “أس-75″ (SA-2) و”أس-200” (SA-5)، إلى جانب بطاريات “أس إيه -11 بوك” و”أس إيه – 17 بوك” الأكثر تقدما المعززة بأنظمة دفاع عن نقطة محددة “بانتسير-إس1” (Pantsir-S1) (دفعت إيران ثمن هذه الأخيرة).
وفي أواخر عام 2018، أنهت موسكو تسليم نظام “أس-300” (SA-20) إلى دمشق. وفي ذلك الوقت، كان المسؤولون الأميركيون قلقين من أن تؤدي عملية التسليم إلى زيادة جرأة إيران، لكن نظام “أس-300” لا يزال تحت السيطرة الروسية ولم يوضَع في الخدمة بعد، وفقا لبعض التقارير.
وتملك إيران عددا من أنظمة “أس-200″ و”أس-75/إتش كيو-2″ و”2 كاي 12” المستخدمة محليا وقامت بتطويرها على مرّ السنين، لذلك يمكنها أن تعرض تطوير البطاريات التي تملكها سوريا أيضا. بالإضافة إلى ذلك، يمكنها أن تزوّد الأسد بأنظمة مطوّرة في إيران على غرار “رعد” و”طبس” و”15 خرداد” و”تلاش” و”3 خرداد” (النوع الذي استُخدم لإسقاط الطائرة الأميركية بدون طيار). وقد تعتزم طهران أيضا مساعدة سوريا على إنشاء خطوط إنتاج/تجميع محلية لهذه الأنظمة في منشآت سرية على الأرجح (ومن المتصور تقديم قدرات إنتاج مماثلة للعراق أو حتى لـ «حزب الله»).
ولا يزال نظام الدفاع الجوي الإيراني الذي يتمتع بالمدى الأطول والذي يُفترض أنه الأكثر تقدما، وهو “بافار-373” قيد التطوير ولم يدخل بعد في مرحلة الإنتاج الكاملة. وتدّعي إيران أن النظام يضاهي بطارية صواريخ “باتريوت” الأميركية ويتفوق على نظام “أس-300 بي أم يو-2” الروسي، ولكن كل ما يمكنها تقديمه في الوقت الحالي إلى سوريا هو نشر نسخة غير مثبتة منه هناك لأغراض الاختبار والتقييم وفق شروط تشغيلية. وبالطبع، فإن مثل هذا الانكشاف سيمنح الخصوم أيضا فرصة لمراقبة النظام خلال عمله ووضع تكتيكات للتصدي له.
أما بالنسبة لتحديد أي من عمليات النقل النظرية هذه ستحدث بالفعل، فإن ذلك يتوقف على قدرة طهران على التعامل مع التحديات الهائلة محليا وداخل سوريا. فمن الواضح أن القادة الإيرانيين يريدون زيادة قدرتهم على الردع وتوسيع العمق الاستراتيجي بما يتجاوز الحدود التي وضعتها ترسانتهم من الصواريخ الباليستية، ويفضلون نشر أنظمة دفاع جوي أكثر تطورا وأبعد مدى لهذه الغاية. ولكن في الوقت نفسه، يبدو أنهم يواجهون مجموعة متزايدة من المخاطر الخارجية والمحلية، بما فيها ما يشبه حملة تخريب ضد برنامجهم النووي وبنيتهم التحتية الصناعية. وما يضاف إلى مخاوفهم هو واقع عسكري يزداد خطورة: فإسرائيل عازمة على منعهم من نقل أي أنظمة جديدة إلى سوريا، ولن يؤدي إرسالها الآن إلا إلى توسيع الفجوات الكبيرة في تغطية الدفاع الجوي الإيراني.
وفي ظل هذه الظروف، من غير المؤكد أن تتمكن طهران من نقل كميات كبيرة من هذه المعدات إلى سوريا على المدى القريب. وأفضل ما يمكن أن يأمل به الإيرانيون (إذا كان هناك أي شيء) هو فقاعتان من الدفاع الجوي: واحدة في قاعدة الإمام علي بالقرب من معبر البوكمال الحدودي وأخرى في قاعدة “تي-4” الجوية أو في منطقة دمشق.
وهذا الأمر بعيد كل البعد عن السيناريو المثالي بالنسبة لهم: وضع ما لا يقل عن اثنتي عشرة بطارية صواريخ متحركة متوسطة إلى بعيدة المدى ورادارات حول سوريا لحماية القواعد المشتركة ومراكز التخزين من الغارات الإسرائيلية.
توصيات في مجال السياسة العامة
وفقا للفقرة 6 ب من الملحق “ب” من قرار “مجلس الأمن” رقم 2231، لا يُسمح لإيران بنقل أنظمة الدفاع الجوي إلى أي دولة دون إذن من المجلس؛ لذلك، طالما كان هذا الحظر ساري المفعول، يجب على جميع الدول اتخاذ التدابير الضرورية لفرضه. ولسوء الحظ، من المقرر أن ينتهي الحظر في 18 أكتوبر، لكن الولايات المتحدة عزّزت جهودها الدبلوماسية للتأكد من أن استمرار الحظر على الأسلحة قائما إلى أجل غير مسمى.
لدى المجتمع الدولي أسباب أخرى أيضا لمنع انتشار أنظمة مضادة للطائرات من إيران. في 16 يوليو، مددت “وكالة «الاتحاد الأوروبي» لسلامة الطيران” حظرها المفروض على جميع عمليات التحليق التجارية فوق المجال الجوي الخاضع لسيطرة إيران دون 25,000 قدم (7,620 مترا) لمدة ستة أشهر إضافية بسبب مخاوف من “مخاطر أمنية كبيرة” هناك. وتزامنت خطوة “الاتحاد الأوروبي” ـ التي أعادت التشديد على توجيهات أصدرتها أساسا “إدارة الطيران الفيدرالية” الأميركية ـ مع قيام إيران التي ترزح بشكل متزايد تحت الضغوط بوضع أجزاء من نظام دفاعها الجوي في حالة تأهب قصوى، وبعد أشهر فقط من قيام بطارياتها من نوع “سام” بإسقاط طائرة أوكرانية عن طريق الخطأ.
وفي المرحلة القادمة، يجب على واشنطن إعادة التأكيد على التزامها بسلامة الطيران في المنطقة بموجب الملحق 17 باتفاقية شيكاغو (“حماية الطيران المدني الدولي من أعمال التدخل غير المشروع”)، باستخدام المعايير الواردة فيها كمبرر لمنع إيران من تصدير أنظمة الدفاع الجوي والتحكم بها، والتي أثبتت أساسا بأنها تشكل تهديدا للطيران المدني.
المصدر: فرزين نديمي – قناة الحرة