نهر ميديا – متابعات
من وراء الواجهة الإنسانية لتحويل الأموال من جميع أنحاء العالم إلى زوجات وأطفال “تنظيم الدولة” (داعش) في مخيم الهول في شمال شرقي سوريا، تحت مسميات كالزكاة والتضامن الاجتماعي يكمن واقع خطير يتمثل بتهريب الأسلحة وجمع الأموال لأجل إعادة هيكلة التنظيم واستعادة قوته.
وقال رشيد، الذي يعمل في مكتب للحوالات المالية في سوق القطاع المخصص لزوجات مسلحي التنظيم، لـ نورث برس: “تتلقى بعض نساء داعش مبالغ مالية كبيرة، تتجاوز /3000/ دولاراً شهرياً، من أقاربهن وأصدقائهن في مناطق المعارضة المدعومة من تركيا في إدلب وأيضًا من الخارج، ومعظم تلك الحوالات تأتي من تركيا وعدة دول أوروبية”.
ويوجد نحو /11/ألف امرأة وطفل من عوائل مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) من حوالي /54/ دولة محتجزين في جزء منفصل من المخيم يعرف بقسم الأجانب أو المهاجرات، في حين أن نحو /56/ ألف شخص، بمن فيهم لاجئون عراقيون ونازحون سوريون، يعيشون في الجزء الآخر من المخيم، الذي يحتوي على سوق كبير وفيه العديد من مكاتب تحويل الأموال.
ويخضع مخيم الهول وعشرات المخيمات الأخرى التي تستضيف مئات الآلاف من اللاجئين العراقيين والنازحين السوريين، لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة وقوى الأمن الداخلي (الأسايش).
وفي حين أن الوصول إلى مخيم الهول يخضع لإجراءات صارمة للغاية، إلا أن قدرة ساكنيها على تلقي الأموال المرسلة من الخارج تمثل تحدياً جديداً لسلطات المخيم.
استلام وادخار مبالغ ضخمة
وقالت سلطات المخيم إن هناك العشرات من منظمات الإغاثة الدولية، بما في ذلك منظمات الأمم المتحدة، تعمل في المخيم، وتوزع سلال الطعام شهرياً، بالإضافة إلى المواد غير الغذائية مثل البطانيات والإسفنجات ومدافئ “الكيروسين” لفصل الشتاء والمراوح لفصل الصيف، بالإضافة إلى إمدادات طبية تتبرع بها منظمة الصحة العالمية ومنظمة أطباء بلا حدود ومنظمة الهلال الأحمر الكردي المحلية.
وقال أحمد، وهو بائع لديه متجر متنقل ويأتي إلى سوق قسم المهاجرات في المخيم كل يوم: “تنفق امرأة لديها بضعة أطفال حوالي /10-15/ ألف ليرة سورية يومياً، أي نحو /450/ ألف ليرة سورية (250 دولاراً أمريكياً) على الجوز والعصير والحلويات، والتي نطلق عليها أطعمة الرفاهية، والتي لا يقدر اللاجئون والنازحون على شرائها مطلقاً في القسم الآخر”.
وأضاف أحمد أن بعض عائلات التنظيم تتلقى أكثر من /2000/ دولاراً شهرياً، لكنها تنفق /300/ دولاراً كحد أقصى.
وقال عمر، وهو طفل أوزبكي يبلغ من العمر /9/ سنوات أنه يشتري الآيس كريم لإخوته كل يوم، وإن والدته تطهو الدجاج والأرز كل يوم تقريباً. “أمي لديها الكثير من المال، وقالت إنها توفرها لنا وأننا سنحتاجه عندما نكبر”.
ولا يوجد سوى مكتب واحد لتحويل الأموال في قسم عائلات التنظيم في المخيم، حيث أنشأت سلطات المخيم سوقاً منفصلاً قبل بضعة أشهر للنساء الأجنبيات من أجل منعهن من التبضع في السوق الرئيسي للمخيم بعد أن تكررت حوادث طعن من قبل نساء روسيات لعناصر من الأمن الداخلي في السوق الرئيسي عدة مرات الصيف الماضي.
عند سؤالنا لسلطات المخيم عن المبالغ الإضافية التي توفرها النساء، كانت الإجابة صادمة، وقالت مسؤولة الأمن في المخيم والتي فضلت عدم الكشف عن هويتها لتجنب انتقام النساء: “في الشهر الماضي، وجدنا خيمة كبيرة تستخدم كمخزن لعشرات غالونات الكيروسين سعة /25/ لتراً لاستخدامها في صنع العبوات الناسفة”.
وقالت: “على الرغم من أنه لا يُسمح لأي من النساء بالحصول على هواتف محمولة، إلا أنهن يُهربن الكثير من الهواتف المحمولة المزودة بخدمة الانترنت ويتابعن الأخبار”.
وتابعت: “قبل شهرين، تعرضت للخطف أنا وزميلتي من قبل بعض النساء الأجنبيات للتنظيم أثناء قيامنا بدوريات بين الخيام وحاولن خنقنا، لكن عناصر الأسايش تدخلوا وأنقذونا”.
وقالت: “إنهم يهربون الأسلحة كذلك، وقد صادرنا بعضها قبل بضعة أشهر”.
كما أثارت مسؤولة الأمن مخاوف من أن سيارات المنظمات الدولية وفرق توزيع المساعدات لا تخضع لتفتيش سلطات أمن المخيم، وقالت: “لسوء الحظ، لدينا تقارير تفيد بأن بعض موظفي المنظمات الدولية يُهربون مبالغ كبيرة من المال لنساء داعش، ولا تزال تحقيقاتنا مستمرة حول ذلك”.
وأشارت المسؤولة أيضاً إلى أنه ليس من السهل السيطرة على /11000/ من النساء والأطفال، ومعظمهم من ذوي السلوك العنيف والمتشدد، ببضع عشرات فقط من عناصر “الأسايش”.
وقالت: “نساء داعش الأجانب في مخيم الهول يمثلن قنابل موقوتة مموّلة جيدًا ولا يزلن يشكلن تهديداً محلياً ودولياً كبيراً”.
من محاولات الهروب إلى البقاء وتأسيس خلافة مصغرة في المخيم
منذ آذار/مارس 2019، قامت نساء داعش بعشرات المحاولات للهروب من المخيم إلى مناطق المعارضة السورية المدعومة من تركيا ثم إلى تركيا نفسها، لكن معظم تلك المحاولات باءت بالفشل “بفضل أجهزة الأسايش والاستخبارات”.
وقال مسؤول أمني في المخيم، فضل عدم الكشف عن هويته، لـ نورث برس: “في العام الماضي، قامت خمس نساء من داعش برشوة عناصر الحراسة بمبلغ /2000/ دولار لإخراجهن”. لقد اكتشفتهم مخابراتنا قبل وصولهم مباشرة إلى محافظة إدلب.
وقال أيضاً: “هربت بعض النساء من كبار الشخصيات قبل بضعة أشهر، مستغلين الفراغ الأمني عندما تم نقل بعض عناصرنا إلى الحدود التركية لمواجهة الغزو التركي”.
من الصعب للغاية التحدث إلى النساء في قسم الأجانب، حيث يرفض معظمهن التحدث إلى أي شخص يأتي من خارج المخيم.
وقال عنصر أسايش من حراسة المخيم، “إنهم يعتبرون أي شخص يأتي من خارج المخيم من الكفار”، وأضاف، “النساء من روسيا وأوزبكستان يرفضن حتى الرد على التحية، لكن النساء الألمانيات والفرنسيات والبريطانيات والأستراليات أكثر انفتاحاً بعض الشيء”.
وقالت عائشة، وهي امرأة روسية، إنها حاولت عدة مرات الفرار، إما عن طريق المهربين أو عن طريق إرسال نداء لحكومة بلادها، ولكن دون جدوى. وأضافت: “سأبقى هنا بقية حياتي، ولا أشعر بالحزن لأن مشيئة الله هي بمثابة هدية لمن يؤمنون به، ويبدو أن دولتنا الإسلامية ستظهر مرة أخرى من هنا”.
ووافقت مجموعة من ستة أطفال من أوزبكستان على التحدث إلينا. “لا نريد الخروج من هذا المكان” قال حذيفة، البالغ من العمر عشر سنوات، عندما سُئل عما إذا كانوا يريدون العودة إلى وطنهم، “أخبرتني أمي أننا سنذهب إلى الجنة إذا بقينا هنا”.
وقال الأوزبكي أبو بكر البالغ من العمر ثماني سنوات إنه يستمتع بالدروس التي تعطيها خالته لمجموعة من /25/ طفلاً. “لقد حارب أبطالنا في الإسلام ضد الكفار بشجاعة في الـ /1400/ سنة الماضية. لهذا السبب نسمع عنهم، لذلك سنبقى هنا ونفعل الشيء نفسه”.
وقالت زاهدة، وهي امرأة أسترالية كانت تنتظر في مكتب تحويل الأموال لتلقي حوالة مالية من أقاربها في تركيا، إنها تريد مغادرة المخيم، لكن حكومتها رفضت، ” الوضع هنا ليس سيئاً بالنسبة لي، لقد اعتدت على ذلك ولدي أخوات وأصدقاء”.
وكشفت جولة استغرقت يومين في قسم الأجانب، والتي تحدثنا فيها إلى العديد من النساء وعشرات الأطفال، أن فكرة الهروب بين معظم النساء قد تغيرت، ويفكر معظمهن الآن في البقاء.
محكمة “داعش” والشرطة الدينية في المخيم
أفادت تقارير صحفية أن نساء “تنظيم الدولة” (داعش) الأجانب شكلن محكمة خاصة بهن وشرطة شرعية، ويفرضن عقوبات، بما في ذلك قتل اللاجئين العراقيين والنازحين السوريين على الجانب الآخر من المخيم، وحتى لا يتوانين عن قتل الأطفال عندما يعصون أوامر المجلس المشكل من قبل نساء التنظيم.
كما قامت النساء بتشكيل مجموعة من الأطفال أطلقوا عليها “أشبال الخلافة” لتدريبهم، وقالت مصادر أمنية لـ “نورث برس” إن هؤلاء الأطفال المتطرفين يتم تدريبهم على ذبح الدجاج والماعز أولاً كممارسة لقطع رؤوس البشر وليصبحوا انتحاريين فيما بعد.
في اليوم الذي قامت فيه “نورث برس” بجولة في المخيم الأسبوع الماضي، تم العثور على لاجئ عراقي ميتاً متأثراً بجروح أصيب بها عندما ضربه اثنان من أعضاء التنظيم حتى الموت أثناء نومه.
وقالت مسؤولة أمن المخيم: “في عام 2019 ، قُتل /24/ لاجئاً ونازحاً داخلياً باستخدام المطارق أو السكاكين، وفي عام 2020 قتل حتى الآن سبعة”.
وأضافت أن ” التحقيقات أظهرت في بعض الحالات أن معظم الجناة يأتون من خارج المخيم ويتسللون ليلاً ويقتلون الشخص الذي حكمت عليه محكمة التنظيم في المخيم بالإعدام”.
وقالت أيضاً: “بعد وفاة أبو بكر البغدادي، جاء في خطاب بثته قناة التنظيم على التيليغرام، أمرٌ لخليفة التنظيم الجديد يأمر فيه أتباعه في المخيم بقتل أي شخص يعمل مع سلطات المخيم”.
وفي العام الماضي، قامت امرأة أذربيجانية بخنق حفيدتها البالغة من العمر/ 14/ عامًا حتى الموت لرفضها ارتداء الحجاب خارج خيمتها.
ويصف السكان والحراس وعمال الإغاثة الوضع في مخيم الهول بأنه غير مستقر، وأنه لم يكن هناك شيء يشبه فظاعة هذا المخيم قط، وهذا هو السبب الذي يدفع السلطات المحلية والدولية إلى العمل من أجل التوصل إلى حلول مناسبة لهذا المخيم.
المصدر: نورث برس