نهر ميديا – دير الزور
يتعرض القطاع الطبي في دير الزور عامة وأريافها الخاضعة لسيطرة قسد خاصة إلى تراجع مستمر بسبب عوامل متعددة، منها الدمار الذي لحق بالبنية التحتية الصحية نتيجة العمليات العسكرية، وحصار المناطق، ونقص التمويل، وهجرة الكوادر الطبية. هذه الأسباب مجتمعة تجعل الحصول على الرعاية الصحية أمراً صعباً للغاية، إن لم يكن مستحيلاً، بالنسبة للكثيرين.
ويعد نقص المشافي والمراكز الصحية مقارنة بمساحة المنطقة الكبيرة والكثافة السكانية، من أهم المشاكل المسيطرة على قطاع الصحة في أرياف دير الزور، وفي المشافي والمراكز الصحية المتوفرة هناك افتقار للتخصص، فيوجد في المشفى الواحد اختصاصات معينة واختصاصات أخرى غير متوفرة إلا في مشافي أخرى تكون بعيدة عادة، مما يجبر الأهالي على قطع مسافات أطول حتى في الحالات الإسعافية، فعلى سبيل المثال، مشفى مدينة البصيرة شرقي دير الزور لا يجري عمليات جراحية كاملة لعدم وجود طبيب جراحة عامة، وفي أغلب الأحيان يضطر الأهالي لقطع حوالي 7 قرى بمحيط البصيرة للتوجه إلى مشفى الشحيل الجراحي، وبعض الأحيان إلى مشاف أبعد للحصول على التخصص المناسب. وأكثر الاختصاصات التي تفتقر لها المنطقة (العيون، القلب، الأعصاب، الكلى والبولية)، الأمر الذي يجبر الأهالي للذهاب إلى محافظة الحسكة أو مناطق سيطرة النظام بسبب توفر أطباء مختصين.
يضاف إلى نقص المشافي والكوادر الطبية المختصة المشاكل الأمنية وانتشار الفساد والمحسوبيات، والتدخل بعمل المشافي من قبل الشخصيات المدعومة من قسد، والذي يؤدي إلى تعطيل عمل المشافي في أغلب الأوقات، وقد سجلت عدة حالات لاعتداءات على كواد طبية في المشافي من قبل عناصر أو قادة من قسد (بشكل شخصي مستخدماً نفوذه) أو هجمات عشائرية كما حصل مؤخراً في مشفى الكندي في بلدة الطيانة في ريف دير الزور الشرقي، والتي أغلقت أبوابها لأكثر من 5 أيام احتجاجاً على هجوم من ذوي طفل توفي جراء إصابته بطلق ناريّ طائش.
لا تتوقف مشكلات القطاع الطبي في دير الزور عند هذا الحد، بل تتعداها لنقص التمويل وقلة المنظمات التي تدعم القطاع الصحي، بحجة الوضع الأمني المتردي، فهناك حوالي ثلاث منظمات تدعم بعض المراكز والمستشفيات فعلياً في ريف دير الزور الشرقي، أبرزها منظمة “سوسن” و”ريليف”، بينما يزيد عددها نسبياً في الريف الغربي.
يعد عدم توفير الأدوية الكافية من قبل المشافي والمراكز الصحية من أكثر العوائق التي تواجه الأهالي في دير الزور، وفي حال توفرها فإنها تنفذ بوقت قياسي بسبب الطلب عليها، حيث تقدم المشافي نسبة 25 ٪ من الدواء فقط، والمتبقي يجبر المريض على شراءه على حسابه الخاص مع الارتفاع الكبير في أسعار الأدوية، وهناك أنواع أدوية غير موجودة في المنطقة بأكملها مثل أدوية مرضى السرطان وأنواع أخرى.
وتفتقر أغلب المراكز الصحية للأدوية وحتى المواد الإسعافية، ولايوجد خدمات حتى على مستوى خيوط الجروح.
بالإضافة للنقص الكبير بالمعدات الطبية بعموم المنطقة، ومنها أجهزة تصوير الطبقي المحوري والرنين المغناطيسي، ومختبرات التحاليل وبنوك الدم، فلا يوجد بنك للدم في كافة مناطق ريف دير الزور الشرقي سوى في مشفى مدينة هجين، وفي الكثير من الأحيان تكون هناك حالات إسعافية بحاجة إلى نقل دم، ويكون من الصعب قطع كل هذه المسافة للحصول على الدم المطلوب.
تضاف إلى جملة المشكلات المؤثرة على القطاع الطبي في ديرالزور نقص الكوادر الطبية (الممرضين والفنيين) ودخول أشخاص غير أكفاء وبعضهم ليس لديه شهادة حقيقية في المشافي والمراكز الصحية.
إنّ نقص الكوادر الطبية جعل العديد من الذين لا علاقة لهم بالطبابة يعملون في هذا المجال، فبعضهم قام بتزوير شهادات طبية ويعمل بشكل رسمي في المشافي والمراكز الصحية، بصفة ممرض أو صيدلي، فعلى سبيل المثال في بعض المشافي يُضّطر إلى الاستعانة بممرضين عاديين في قسم العناية المركزة أو قسم الحواضن والتي تحتاج إلى ممرضين ذوي كفاءة عالية، والسبب هو ضرورة تشغيل هذه الأقسام وعدم توقفها. على جانب آخر، سجلت تجاوزات كثيرة من الذين امتهنوا الصيدلة دون شهادة، فيبيع هؤلاء أدوية للمرضى قد تؤثر سلباً على المريض، كما حصلت في عدة حالات أدت للوفاة منهم أطفال في مدينة البصيرة وبلدة الشحيل وغيرها، بسبب قيام بعض الصيادلة بإعطاء حقن مثل الدكلن وغيرها، ويتم التبرير على أنه خطأ طبي. ويؤدي نقص الكوادر الطبية لانتظار المرضى لفترات طويلة من أجل الحصول على دور، مما يجبر الكثير من الأهالي إلى اللجوء إلى المشافي الخاصة رغم عدم قدرتهم على تحمل تكاليف العلاج.
ومن العوامل المؤثرة في تراجع وضعف القطاع الطبي في ديرالزور، نقص الكتلة المالية المرصودة من قبل الإدارة الذاتية المخصص لدعم القطاع، إضافة إلى الفساد في مؤسسات الإدارة الذاتية، أدى إلى خروج عدة مراكز صحية عن العمل، وإغلاقها في بعض الحالات، كما حصل في مركز الباغوز الصحي الذي أغلق بسبب عدم قدرة هيئة الصحة على توفير رواتب الكادر، ما أدى خسارة أهالي البلدة والقرى المجاورة لها للخدمات الطبية، وأجبرهم إلى تكبد مشقة ومصاريف السفر للحصول على الخدمات الطبية، وفي مركز بلدة البحرة الصحي الذي بات شبه مغلق ويعطي لقاحات للأطفال فقط، وذلك بسبب تقليص الدعم عنه من قبل هيئة الصحة، وفي مشفى مدينة البصيرة العام الذي باتت خدماته ضعيفة وأدويته غير متوفرة وعدم الالتزام بالدوام من قبل الكوادر، وترك بعض الأطباء العمل بسبب التعديات وعدم القدرة على حمايتهم من قبل السلطات المسيطرة، وفي مشفى ناحية الصور أيضاً أصبحا الخدمات المقدمة ضمنه ضعيفة لعدم وجود كادر طبي مختص أو ذو كفاءة، ولا يوجد ثقة من الأهالي بطاقم المشفى.
وتنعكس قلة الميزانية المرصودة والفساد الذي يطال الميزانية على عمليات تزويد المشافي بالأدوية، وشراء أدوية ذات نوعية متوسطة ومتدنية ولا تكفي سوى لأيام قليلة في الأقسام والمراكز الصحية.
وبحسب القائمين على المشافي وهيئة الصحة فإن الأموال والدعم الوارد للمنطقة لا يكفي مقارنة بالحاجة، إضافة للفساد الكبير في قطاع الصحة بدير الزور، ابتداءً من رؤساء هيئة الصحة وصولاً لمدراء المشافي وهو سبب آخر لتدهور الوضع الصحي عدا نقص الدعم الذي هو موجود بالفعل.
يعد نقص التمويل للقطاع الطبي من قبل الإدارة الذاتية المسيطرة على المنطقة في أرياف دير الزور (شرق الفرات) أمراً غير مبرراً خاصة مع الثروات الباطنية من حقول نفط وغاز تسيطر عليها في دير الزور، فيكون لزاماً عليها تقديم الدعم اللازم لأهم القطاعات الخدمية للأهالي وهو القطاع الطبي.
إن تدهور الخدمات الطبية في ريف دير الزور له عواقب وخيمة على صحة وسلامة السكان، فالأمراض تنتشر بسرعة، والحالات المرضية المزمنة تتفاقم، والوفيات تزداد، خاصة بين الأطفال والنساء الحوامل، وهذا الوضع يهدد استقرار المجتمع ويزيد من معاناته، مالم تتوفر حلول جذرية تعالج تلك المشكلات وتنهض بالقطاع الطبي إلى مستوى يلبي احتياجات الأهالي.