نهر ميديا
كَثُرت -في أوقات سابقة- الأصوات المنادية بإخراج العوائل المحتجزة في مخيم الهول، وارتفع سقف المطالب بالإسراع في إخراجهم وإعادتهم إلى قراهم ومدنهم ومنازلهم.
الأمر تمّ فعلياً، وتم إخراج مئات العوائل من الهول، ضمن عملية إفراغ لمخيم الهول من العوائل المحلية، لكن ما هو مصير العوائل الخارجة من مخيم الهول، وهل وجدوا فعلياً مبتغاهم بالخروج من المخيم؟
بعد خروج العائلات من مخيم الهول، غابوا عن قائمة الاهتمامات لدى كثير ممن كانوا يطالبون بخروجهم، فوجد العائدون أنفسهم وجهاً لوجه مع عديد التحديات القائمة في مجتمعهم القديم-الجديد.
لا يخفى على أحد أنّ كثيراً من العوائل تركوا مجتمعهم ومنازلهم منذ أكثر من سنتين، وهي مدة زمنية طرأ خلالها الكثير من التغيّرات على المجتمع المحلي في مختلف القطّاعات، حيث عاشت تلك العوائل، خلال السنتين، حياة اللجوء في المخيم ضمن أنماط معينة من الحياة التي تستند كلياً على المعونات الحياتية القادمة إلى المخيم، مما يعني أنّ قسماً كبيراً من احتياجات هذه العوائل كانت تغطيها موارد المخيم على قلتها.
الذي حصل، هو أنّ اللاجئ الذي كان يقطن مخيم الهول، بخروجه، فقد جانب لايستهان به من أساسيات الحياة، ومع عدم وجود من يسد هذا الجانب في المجتمع الجديد، بالإضافة إلى الفقر والوضع الاقتصادي المتردي الذي يسيطر على المنطقة مع قلة فرص العمل، يجد النازح العائد إلى منزله نفسه بمواجهة الحاجة الملحة لتأمين لقمة العيش من العدم.
يقول أبو محمد من أبناء بلدة الباغوز بريف دير الزور الشرقي، كان قد خرج منذ شهرين من مخيم الهول:
“بقيت سنتين وثمان أشهر في مخيم الهول، ورغم الحياة القاسية هناك، إلا أنها أرحم بالنسبة لي من هذه الحياة في منزلي وبلدتي”
ويضيف “كانت متطلبات الحياة الرئيسية متوفرة في المخيم، أما اليوم، فهي صعبة المنال وتحتاج لجهد وربما مدّ اليد للناس لاستدانة المال، لتأمين الحاجيات الأساسية، وإلا سيبقى أطفالي جائعون”.
لم يلقَ العائدون إلى منازلهم، الاهتمام المناسب بأشخاص فقدوا جلّ ما يملكون في رحلة النزوح وحياة استنزاف قضوها في غياهب التنقل والمخيمات.
البعض من العائدين، وجد منزله مدمر جزئياً أو كلياً، بفعل الحرب التي مرت على المنطقة، فأجبر على إيجاد حلول بديلة، لبدء حياة جديدة، البعض آثر النزوح من جديد إلى مناطق أخرى يجد فيها العمل والمسكن حتى ولو باستئجار منزل، وآخرون انتقلوا للعيش عند قريب أو أخ بشكلٍ مؤقت، والبعض، نصب خيمة على أنقاض منزله وبدء حياته رغم الصعوبات.
يقول عبد وهو شاب من بلدة الباغوز:
“عندما عدت مع عائلتي، وجدنا مايقارب نصف منزلنا قد تدمّر، فلم يكن لدينا أنا وأخي إلا أنّ ننصب خيمة في ساحة المنزل، ونتقاسم المنزل”.
حتى الآن، لم يتم اتخاذ خطوات حقيقية من المجتمع المحلي، أو المنظمات الإنسانية العاملة ضمنه، لمد يد العون للعائدين من مخيم الهول، فأبدت العشيرة التي تشكل عصب المجتمع المحلي في دير الزور، فشلاً ذريعاً في التعامل مع قضية العائدين، من خلال تركهم لمواجهة مصيرهم الجديد لوحدهم، أما المنظمات الإنسانية، فتتواجد حولها عشرات إشارات الاستفهام، بسبب تجاهل هذه الظاهرة الطارئة على المجتمع.
يقول “أبو حسين” أحد العائدين من مخيم الهول إلى بلدته الشعفة شرق دير الزور:
“أبلغ من العمر 59 عاماً، ولدي 8 أولاد، يحتاجون لمصروف كبير لتغطية حوائجهم، لكني أقف عاجزاً أمام هذه الظروف، فلا أستطيع العمل بسبب كبر سنّي، ولا يوجد فرص عمل أصلاً في البلدة، حتى الزراعة لم تعد كسابقها، بسبب الظروف التي حلّت على المنطقة، وحتى الآن لم أجد من يعينني على البدء بعمل يناسب عمري ويكون سبيل لستر عائلتي من الحاجة والعوز”.
تختلف ظروف ومعاناة كل عائلة من العوائل العائدة من مخيم الهول، لكن وجه الشبه الذي يتشاركون به، هو ردة فعل المجتمع تجاههم، والتجاهل غير المبرر من جميع فعاليات المجتمع، لعشرات العوائل التي تقطعت بها السبل وتواجه مصيراً أقل مايوصف بالصعب، في ظل الظروف الاقتصادية المتردية التي تسيطر على المنطقة.