نهر ميديا – متابعات
من المقرر أن تدخل العقوبات الأميركية الجديدة على سوريا المعروفة باسم ” قانون قيصر” حيز التنفيذ اليوم الأربعاء، وتستهدف أي شخص يساعد نظام الرئيس بشار الأسد أو يقدم المساعدة لبعض الصناعات العاملة داخل الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة.
ويهدف القانون الذي أقره الكونغرس في ديسمبر الماضي، إلى إجبار الحكومة على وقف قصف المدنيين الذي استمر تسع سنوات ووقف انتهاكات حقوق الإنسان الموثقة على نطاق واسع.
وأُطلق عليه اسم “قيصر” نسبة لمصور سابق في الشرطة العسكرية السورية انشق عن النظام عام 2013 حاملا معه 55 ألف صورة تظهر الوحشية والانتهاكات في السجون السورية، والتي هزت المجتمع الدولي بأكمله.
وأبلغت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت مجلس الأمن الدولي يوم الثلاثاء أن واشنطن ستطبق الإجراءات “لمنع نظام الأسد من تحقيق نصر عسكري”.
وقالت كرافت “هدفنا هو حرمان نظام الأسد من الإيرادات والدعم الذي استخدمه لارتكاب فظائع واسعة النطاق وانتهاكات لحقوق الإنسان تحول دون التوصل لحل سياسي وتقلل بشدة من احتمالات السلام”.
وانتقدت روسيا والصين خطة الولايات المتحدة لفرض مزيد من العقوبات “من جانب واحد”، وقال سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا إن “غرض واشنطن من هذه الإجراءات هو الإطاحة بالسلطات الشرعية في سوريا”.
وقال سفير الصين لدى الأمم المتحدة تشانغ جون إنه “في الوقت الذي تكافح فيه دول ضعيفة مثل سوريا جائحة كورونا، فإن فرض مزيد من العقوبات هو ببساطة غير إنساني وقد يتسبب في كوارث إضافية”.
وهذه أبرز الإجابات على الأسئلة التي تطرح بشأن هذا القانون.
من يستهدف؟
يستهدف القانون أي فرد أو كيان يتعامل مع سوريا بغض النظر عن جنسيته، ويركز على ثلاثة قطاعات هي الجيش السوري وصناعة النفط والغاز المحلية وإعادة الإعمار في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، ويفرض عقوبات على أي شخص يقدم الدعم أو المساندة لها.
كما يستهدف القانون للمرة الأولى من يتعاملون مع كيانات روسية وإيرانية في سوريا، وهو ما يوجه ضربة لحلفاء الأسد. ويصف التشريع الجديد مصرف سوريا المركزي بأنه مصدر قلق بشأن غسيل الأموال.
وبموجب القانون، سيتم فرض عقوبات جديدة على قائمة طويلة من الأفراد المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان، وتضم الرئيس السوري وأعضاء مجلس الوزراء والمحافظين ورؤساء السجون ورؤساء الأجهزة الأمنية في جميع أنحاء البلاد.
ما الذي يحاول القانون تحقيقه بالضبط؟
يهدف القانون إلى الضغط السياسي والاقتصادي على الحكومة السورية، لإجبار الأسد على وقف هجماته القاتلة على الشعب السوري، ودعم الانتقال السياسي في سوريا في إطار احترام حكم القانون وحقوق الإنسان والتعايش السلمي مع محيطها.
ويقول إدوارد ديهنيرت من وحدة “ذي إكونوميست” للبحوث والمعلومات “لا يزال على الولايات المتحدة أن توضح أين وإلى أي حدّ سيتم تطبيق العقوبات، لكن من الممكن القول إن قطاعات العقارات والإعمار والطاقة والبنى التحتية ستتأثر بشكل خاص”.
وتشترط واشنطن لرفع العقوبات، وفق القانون، اجراءات عدة بينها محاسبة مرتكبي “جرائم الحرب” ووقف قصف المدنيين والإفراج عن المعتقلين السياسيين وعودة اللاجئين.
ويرى ديهنيرت أن القانون “يُعدّ ظاهرياً آخر محاولة في جهود الولايات المتحدة لفرض تسوية سياسية (…) والإطاحة بـ(الرئيس) بشار الأسد”. إلا أنه يشرح في الوقت ذاته أن ذلك “لن يحدث في أي وقت قريب، كون موقع الأسد حالياً مضموناً”. فهو يحظى بدعم إيران وروسيا ويسيطر بفضلهما على أكثر من 70 في المئة من مساحة البلاد.
وبالنتيجة، سيكتفي القانون بـ”عرقلة قدرة النظام وأزلامه على الاستفادة من الفرص الاقتصادية التي ستوفرها عملية إعادة الإعمار” المكلفة.
ويرجّح ديهينرت أن واشنطن “ستنجح إلى حد ما في مساعيها، فقد صُممت العقوبات لإبقاء نظام الأسد منبوذاً، وسيكون تهديدها باتخاذ خطوات عقابية كافياً لإخافة غالبية تدفقات الاستثمارات الخارجية”.
ومن دون استثمارات ودعم خارجي، ستعاني دمشق لإطلاق إعادة الإعمار.
كيف يختلف عن سابقاته؟
تخضع سوريا بالفعل لعقوبات من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقد حظرت التعامل مع كيانات الدولة السورية وكذلك مع مئات الشركات والأفراد، لكن هذا القانون استثنائي، لارتباطه بقانون الدفاع الوطني الأميركي، ما يعني أن واشنطن توجه رسالة للنظام السوري والقوى الدولية والإقليمية “روسيا وإيران” على وجه التحديد، بأن الوضع في سوريا مقرون بالأمن القومي الأميركي، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
كما يأتي في وقت تعاني منه سوريا من الانقسام والحرب والتناحر والعجز السياسي والاقتصادي، ناهيك عن أن السوريين في الخارج هم من دفعوا باتجاه فرض مثل هذا القانون.
بالإضافة لأن قانون قيصر يشمل جميع الداعمين للنظام السوري سواء كانوا أشخاصا حقيقيين أو اعتباريين، وكذلك كل أشكال الدعم حتى لو كانت تحت مسمى إعادة الإعمار ، في إشارة لدول كالصين والإمارات التي تسعى للاستثمار في ضمن عمليات إعادة الإعمار، في محاولة لسد الثغرات التي شابت العقوبات الأميركية والأوروبية القائمة بالفعل.
وبهذا القانون فإن أميركا تعود بشكل قوي للسيطرة على الملف السوري وانخراط في مجرياته، وذلك بعدما تصدرت روسيا المشهد من خلال توفيق أوضاعها مع النظام السوري عن طريق عدد من الصفقات عززت من موقفها وسيطرتها على الطرق الدولية للتجارة بسوريا.
كما سيطوق القانون النظام ويجرد الأسد من داعميه؛ حيث خص القانون بالذكر روسيا وإيران.
كيف سيؤثر القانون على سوريا بمجرد دخولها؟
من المتوقع أن تعمل العقوبات على ثني المستثمرين عن دخول سوريا وتعميق عزلتها عن النظام المالي العالمي، حيث تقضي العقوبات على أمل روسي – سوري في بدء حملة عالمية لإعادة البناء قبل مرحلة انتقال سياسي ترضي الغرب.
ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية تظهر أيضا إمكانية حدوث موجة جديدة من الاضطرابات. وقد تجددت في السويداء في الآونة الأخيرة مظاهرات ندر أن تشهدها سوريا، وكانت السويداء من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة التي لم تشهد انتفاضة على الأسد في 2011.
ولكن القانون الجديد يعفي واردات السلع الغذائية الضرورية وغيرها من ضرورات إنسانية لكنه يشدد الفحص لمساعدات الأمم المتحدة والمنظمات الأهلية لضمان عدم استفادة الحكومة السورية منها.
ما تداعيات العقوبات اقتصادياً وفي الشارع؟
نددت دمشق بالقانون وقالت إنه سيفاقم معاناة المدنيين في ظل اقتصاد مستنزف.
ويرى محللون أن الخشية من القانون، حتى قبل أسبوعين من تنفيذه، ساهمت إلى حدّ كبير في الإنهيار التاريخي لليرة التي تخطى سعر صرفها خلال أيام قليلة عتبة الثلاثة آلاف مقابل الدولار في السوق الموازية.
وستفاقم العقوبات، وفق ديهنيرت، “علل” الاقتصاد و”للأسف سيكون الشعب أكثر من سيعاني”وسيرتفع معدل السوريين تحت خط الفقر.
ويعيش أكثر من 80 في المئة من السوريين تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بمعدل 133 في المئة منذ مايو 2019، بحسب برنامج الأغذية العالمي.
ويتوقّع الباحث الاقتصادي أن تشهد البلاد “نقصاً في المواد الضرورية، وبالتالي سترتفع الأسعار وسيعاني السوريون من تآكل أكبر في قدراتهم الشرائية مع تراجع في فرص العمل” خصوصاً أن القدرة على استيراد السلع، وبينها المواد الغذائية والوقود، ستصبح أكثر تعقيداً.
وتشهد مناطق سيطرة الحكومة أساساً منذ نحو عامين أزمة وقود حادة وساعات تقنين طويلة في التيار الكهربائي.
ودفع تفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا بشكل كبير المواطنين للخروج في مظاهرات والمطالبة بإسقاط الأسد، وألقت وسائل الإعلام الحكومية الموالية للنظام باللوم على قانون قيصر.
بينما حمل مسؤول في وزارة الخارجية السورية، رفض ذكر اسمه، المسؤولية للأسد، وقال: “بشار الأسد ونظامه مسؤولون مباشرة عن الانهيار الاقتصادي في سوريا، إنهم يبددون عشرات الملايين من الدولارات كل شهر لتمويل حرب وحشية لا داعي لها بدلاً من توفير الاحتياجات الأساسية للشعب السوري. لقد دمرت الحرب المدمرة للنظام الاقتصاد السوري، وليس العقوبات الأميركية”.
ما تداعيات العقوبات على الدول الحليفة والمجاورة؟
تستهدف العقوبات نفوذ إيران وروسيا في سوريا، في وقت تسعى الدولتان لتعزيز حضورهما في الاقتصاد وإعادة الإعمار. إلا أن النتائج قد لا تأتي على قدر آمال واشنطن نظراً لخبرة موسكو وطهران في الإلتفاف على عقوبات اعتادتا عليها.
ولا يستبعد ديهينرت أن يكون “للإجراءات تأثير عكسي، إذ عبر إبعاد حركة الاستثمارات التقليدية، تُقلل الولايات المتحدة من التنافس على فرص الاستثمار في سباق تتفوق فيه روسيا وإيران أساساً”.
ومن المتوقع أن تحدّ أيضاً من اندفاعة الإمارات المرتقبة للاستثمار في إعادة إعمار سوريا بعد انفتاح دبلوماسي مؤخراً.
أمّا لبنان، البلد الذي لطالما شكّل رئة سوريا خلال الحرب وممراً للبضائع ومخزناً لرؤوس أموال رجال أعمالها، فقد يشهد تدهوراً أكبر في اقتصاده المنهار أساساً إذا لم تستثنه العقوبات.
وتدرس لجنة وزارية تداعيات العقوبات على اقتصاد البلاد المنهك.
ويُرجّح أن تنعكس العقوبات، وفق ديهينرت، على عمل شركات البناء اللبنانية في السوق السوري وشركات النقل، عدا عن أن قدرة لبنان على تصدير المنتجات الزراعية عبر سوريا إلى الدول العربية ستصبح محدودة.
ويستنتج الباحث في مجموعة الأزمات الدولية هيكو ويمان أنّ القيام بأعمال تجارية مع سوريا “سيصبح أكثر صعوبة وخطورة، وبالتالي فإن احتمال أن يُدخل أي شخص أموالاً للاستثمار أو لأعمال تجارية سيتراجع وقد لا يكون ممكناً”.
ما شروط رفع العقوبات؟
وحدد القانون 6 شروط لرفع العقوبات هي: وقف قصف المدنيين من قبل الطائرات الروسية والسورية، ووقف قصف المراكز الطبية والمدارس والمناطق السكنية والتجمعات المدنية من قبل القوات السورية والإيرانية والروسية، والمجموعات التابعة لها.
بالإضافة إلى رفع الحصار عن المناطق المحاصرة من قبل القوات الإيرانية والروسية والسورية، والسماح بمرور المساعدات الإنسانية وتحرّك المدنيين بحرّية، والسماح بدخول منظمات حقوق الإنسان إلى السجون والمعتقلات السورية، وإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين.
كما اشترط القانون عودة المهجّرين السوريين بطريقة آمنة إرادية محترمة، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب، وإحقاق العدالة لضحايا جرائم الحرب التي ارتكبها النظام.
المصدر: الحرة