رأي – البراء الطه
“رزق التركي على الكردي” مثل شعبيّ كرديّ يختصر قصة مشروع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا والذي طرحته وتبنته الأحزاب الكردية، فلم تستفد الإدارة الذاتية أو الأحزاب الكردية المشكِّلة لها من التجارب المريرة التي عصفت بجغرافية مشروعها من عفرين إلى رأس العين مروراً بتل أبيض، والتي انتهى بها الحال تحت السيطرة التركية بغطاء دعم المعارضة السورية المسلّحة التي تتبع لها، والحجة في ذلك الوجود العسكري لقوات سوريا الديمقراطية وبالأخص للأحزاب الكردية الموسومة تركياً بالإرهاب في هذه المناطق.
واليوم يبدو أن التاريخ القريب سيعيد نفسه في منطقة أخرى من المناطق السورية، بالذريعة نفسها، لكن ما يميز هذه المنطقة عن بقية المناطق التي احتلتها القوات التركية هو أهميتها الاستراتيجية بالنسبة لاستمرارية مشروع الإدارة الذاتية، فناحية عين عيسى ذات التضاريس السهلة، والتي تتبع لمحافظة الرقة و تبعد عنها 56 كم تشكل بأدق وصف عقدة مواصلات على الطريق الدولي M4 تصل بالعموم بين الشمال الشرقي والشمال الغربي لسوريا، أما بالنسبة لجغرافية مناطق الجزيرة أو ما بات يطلق عليه (شرق الفرات) فهي عقدة وصل بين كانتونات هذه الإدارة، والسيطرة عليها من قبل أي جهة معادية لقسد تعني بشكل لا لبس فيه تقسيم هذا المشروع وتحويل مدنه وبلداته إلى جزر منعزلة يسهل التعامل معها مما يعني الإسراع باستئصاله ، والعكس صحيح.
وبشكلٍ أكثر تفصيلاً فالسيطرة عليها من قبل فصائل المعارضة ومن يدعمها تعني عزل عين العرب “كوباني” ومنبج عن الحسكة والرقة ودير الزور.
تأتي أهمية عين عيسى بالنسبة لتركيا، بالإضافة لكونها ستكون بداية السقوط الفعلي لمشروع قسد، وانحساره فقط إلى المنطقة الشرقية والتي تتواجد فيها القوات الأمريكية، بسبب وقوعها على الطريق الدولي M4 والذي تسيطر القوات التركية على حوالي 70 كم (من سراقب حتى جسر الشغور ) منه في جيب إدلب، وهذا ما سوف يعطيها القدرة على التحكم بالشمال السوري بشكل كامل من الحدود العراقية حتى الجسر الشغور في ثلاث مواقع قاطعة (منطقة الباب ، عين عيسى ، إدلب) وهو ما يعطيها ورقة ضغط جديدة رابحة اقتصادياً وجغرافياً وسياسياً في الملف السوري، وكذلك تجعل الطريق أمام مدينة الرقة ذات الغالبية العربية ومعقل حكومة مجلس سوريا الديمقراطية سالكاً إضافة إلى كل من مدينتي عين العرب “كوباني” ومنبج.
أما بالنسبة للنظام السوري المدرك لأهميتها الفعلية والذي جعل فيها مقر اللواء 93 ثاني قوة عسكرية في محافظة الرقة بعد الفرقة 17، فتعطيه التحكم أكثر بمنطقة (شرق الفرات)، من خلال السيطرة على العقد المرورية فيها، ويعطي قواته موقع أقرب لمراقبة التحركات العسكرية للفصائل المعارضة المدفوعة تركياً في منطقة تل أبيض-رأس العين.
واليوم أمام هذا التهديد المحتمل والذي تطلقه المعارضة السورية مدفوعة بضغط تركي، ليس أمام قيادات سوريا الديمقراطية سوى المفاضلة بين خيارين لا ثالث لهما في ظل العزوف الأمريكي عن التدخل في هذا الجزء من مناطق شرق الفرات، فإما القبول بالعرض الروسي والذي نقلته عدة مصادر المتمثل بالانسحاب العسكري من هذه المنطقة وتسليمها عسكرياً بالكامل للسلطات السورية بضمانات وإشراف روسي، مع بقاء المؤسسات الخدمية للإدارة الذاتية فيها وإعادة تفعيل مؤسسات الدولة السورية، وهو ما سيحول بشكل أكيد لنزع الشمّاعة التركية في احتلال هذه المدينة، أو أن تذهب قيادات قسد بالعناد حدّ الاصطدام مع فصائل المعارضة السورية ومن خلفها الداعم التركي، وهي بذلك ستكرر سيناريو “عفرين وتل أبيض ورأس العين”، لكن بشكل أسرع وأكثر ضرراً من ذي قبل ولن تتوقف هذه العملية عند ناحية عين عيسى من المحتمل أن يتبعها تحركات عسكرية باتجاه الدرباسية وعامودا .
وأخيراً وكما تقول الحكمة الكردية (bila girt îyê saristana bê û ne mir îyê goristana bê) (السجن أفضل من القبر)، على قيادات قسد المفاضلة بين السيء و الأسوأ بالنسبة لمشروعها، والعمل على الدخول بحوار جدّي مع النظام السوري، ومحاولة التوصل إلى حل سريع يضمن لها بعض المكاسب، لأن التواجد الأمريكي المعتمدة عليه في مشروعها مصيره البعيد غير واضح و ربما الأرجح فرضية انسحابه أكثر من استقراره في سوريا.
جميع المقالات والتدوينات المنشورة في الموقع تعبِّر عن رأي كتّابها، ولا تعبِّر بالضرورة عن رأي “نهر ميديا”.